في هذه اللوحة الساحرة التي وُقِّعت باسم "مريم 2023"، نجد أنفسنا أمام مشهد مفعم بالحنان، والغموض، والحكاية الصامتة التي لا تُروى بالكلمات، بل تُقرأ من ملامح وجه، ومن ريشة طاووس، ومن خيط صوفٍ نُسجت فيه قصة.
الطفلة التي تتوسط اللوحة ليست مجرد عنصر جمالي، بل هي روح اللوحة النابضة. عيناها الواسعتان تنظران نحو المُشاهد لا ببراءة فحسب، بل بثقل شعور ما، ربما الحنين، ربما الأسرار، وربما دفء الطفولة المختلط بشيء من الحكمة المبكرة. شعرها الغني بلون البنفسج الداكن تتخلله ريشات طاووس وزهور بلون الورد واللافندر، في مزجٍ ذكي بين الجمال الطبيعي والتزيين الفني، في إشارة إلى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة.
الطاووس الذي تحتضنه الطفلة ليس مجرد طائر، بل هو رفيق، وربما رمز لشيء أعمق: الكبرياء، الجمال، أو حتى الروح المحمية. الألوان الزرقاء والزاهية في ريشه تتناغم مع خيوط الغزل وأدوات الحياكة الموضوعة بجانبه، وكأن الرسامة أرادت أن تقول إن الجمال لا يُولد، بل يُنسج بالخيط والإبرة، بالصبر والحب.
وفي الزاوية السفلية للوحة، نجد تواقيع فنية دقيقة: كرات صوف بألوان دافئة، وأدوات حياكة تشير إلى عالم الأمهات والجدات، إلى الماضي الذي لم يمت، بل يعيش في تفاصيل الحاضر. هناك حنينٌ ظاهر في هذه التفاصيل، وكأن الفنانة تستدعي إرثًا عاطفيًا من الدفء والأمان.
الألوان الغالبة على اللوحة باردة، يغلب عليها الأزرق والبنفسجي، لكنها لا تشير بالوحدة أو الحزن، بل بالسكينة والانغلاق على عالم خاص، حيث الطفلة والطاووس فقط، وحيث الحكاية محبوكة بخيوط من صوفٍ وذكريات.
الرسالة الفنية:
هذه اللوحة تتجاوز الجمال البصري لتلامس مشاعرنا بشكل عميق. إنها تحكي عن ارتباط الإنسان بالطبيعة، وعن الحنين لأزمنة أبسط، وعن الطفولة التي تتجلى فيها المشاعر بصدقٍ دون زخرفة. الرسالة التي تصلنا أن الحنان لا يُترجم بالكلمات، بل يُحتضن، يُنظَر إليه، يُصنع بخيوط من محبة، كحياكة أمٍ لطفلتها.
خاتمة:
في زمن تتسارع فيه الصور وتُنسى بسرعة، تأتي هذه اللوحة لتأمرنا بالتوقّف، بالنظر، بالتأمّل. فهنيئًا للفنانة على هذا الإنجاز البديع، الذي يحاكي مشاعرنا قبل أن يدهش أبصارنا. هي ليست مجرد لوحة… بل مرآة لقلبٍ نقيّ.